من طرف استيقظ كعادته كل صباح ونهض بنشاط من سريره ليغسل وجهه ويرتدي ملابسه استعدادا للعمل انه شاب متفائل برغم رقة حاله يعيش وحيدا مع أمه الحنون التي ترى العالم من خلال عينيه اعتاد أ نيتناول افطاره و يقبل يد أمه وجبينها قبل أن ينطلق الى عمله ذا الراتب الضئيل ولكنه كان سعيدا وراضيا ويعلم أنه مادام على قيد الحياة ولايعاني أي مرض ويستطيع الاستمتاع بجمال العالم فهو أغنى انسان في هذا العالم هكذا كان رقيق القلب مسالما يقدر الحياة..
وبينما هو يمشي مستغرقا برؤية ما حوله من أشياء وأناس توقف ونظر بدهشة الى تلك الفتاة الرقيقة التي تقف بشرفة منزلها تسقي ورودها وهي تبتسم بهدوء ابتسامة يشوبها الحزن برغم رقتها وجمالها..... لم يستطع الا أن يطيل النظر اليها حتى انتبهت الى وجوده فنظرت اليه نظرة عميقة ثم دخلت .....
أكمل طريقه الى العمل وهو يفكر بتلك الفتاة شئ ما شده اليها وجعله لايتوقف عن التفكير فيها لقد خلبت لبه بتلك الابتسامة الرقيقة التي لم يرى أرق منها في حياته كلها.....
هنا انتبه صديقه الى شروده غير المعتاد وقال له(( مابك؟؟))
نظر اليه بشرود مجيبا (ها .....لا ...لاشئ))
وعاد الى الاستغراق بشروده وعندما انتهى دوام عمله خرج مسرعا على غير عادته وهو يتلهف لرؤية تلك الفتاة الرقيقة التي سلبت أنفاسه حين وصل الى تحت شرفتها لم يرها فحزن كثيرا ولربما كانت تلك المرة الاولى في حياته التي يشعر بها بخيبة الأمل وبينما هو على هذه الحال خرجت الفتاة وبكل لهفة الدنيا نظر اليها وقلبه يكاد يقفز من صدره لشدة انفعاله هنا انتبهت اليه الفتاة وابتسمت ابتسامة رائعة وخفضت رأسها بخجل ودخلت بسرعة ........
لم يصدق نفسه عاد الى البيت وهو يطير فرحا ودخل بسرعة الى أمه وهو يقبلها ويرقص معها وهو في غاية السعادة
استغربت الأم كثيرا من تصرف ابنها هو وان كان دائما فرحا ومتفائلا الا أنها لاحظت بريقا خاصا في عينيه تراه لأول مرة.....
سألته وهي مسرورة لأجله ((أنا سعيدة لفرحك ياولدي ولكن هل لي أن أسأل سبب سعادتك الشديدة))
رد عليها بابتسامة جميلة ((لا شئ يا أماه أنا سعيد فحسب بدون سبب))
ولكن الام بغريزتها علمت أن ولدها الوحيد قد وقع في الحب وابتسمت.....
دخل الى غرفته واستلقى على سريره وهو يتذكر تلك الابتسامة الرقيقة التي امتلكت جميع حواسه واستغرق بالأحلام........
في الصباح التالي استيقظ الشاب وارتدى ملابسه بسرعة وهم ليخرج من البيت عندما استوقفته أمه وهي تقول
((لما انت مستعجل هكذا ان الوقت لازال مبكرا لم تتناول افطارك بعد))
رد قائلا بنفاد صبر(( لست جائعا ياأماه ..علي الذهاب))
وخرج مسرعا وأمه تتبعه ببصرها وهي تقول ((وقبلتي......))
ولكنه كان قد ذهب....
ابتسمت وهي تهز رأسها وتتمتم ((هذا ولابد أن يكون بسبب الحب))
لأول مرة لم ينتبه الشاب للناس ولا للطريق من فرط لهفته لرؤية الفتاة التي أسرته بروعة ابتسامتها الرقيقة
وصل الى أسفل شرفتها وامتلأ قلبه فرحا عند رؤيتها تخرج لتسقي نباتاتها وورودها الرائعة التي لا تضاهيها جمالا
نظرت الفتاة نحوه وهي موقنة بانه جاء لرؤيتهاوابتسمت ابستامة حانية يشوبها الكثير من الخجل وقطفت بعض الأزهار ودخلت الى منزلها...
واستمر هذا الوضع يوميا حتى لم يعد يستطع الشاب يطيق صبرا لمكالمتها عن قرب وسماع صوتها ولكن خجله وخجل الفتاة هو ما كان يمنعه عن القيام باية خطوة....
حتى ذات يوم تجرأ وطلب منها أن يكلمها ويراها عن قرب نظرت اليه نظرة ملؤها الحزن وخفضت عيناها المليئتان بالدموع ودخلت دون أن تلتفت لترى مقدار الصدمة التي أصابته عند رؤيتها هكذا.....
عاد الى المنزل وهو يكاد يصرخ من القهر والالم((لماذا فعلت ذلك ما الذي حدث ماالذي فعلته.......؟؟))
تساؤولات كثيرة كانت تدور في رأسه الذي كاد ينفجر من كثرة التفكير....
حين دخل من الباب استقبلته أمه مرحبة ومبتسمة كالعادة ولكنه كان حزينا ولم ينبس ببنت شفة ودخل غرفته وأقفل الباب ....
هنا تسلل القلق الى قلب أمه فهي لم تره أبدا حزينا كان دائما مبتسما برغم جميع الظروف القاسية التي كانوا يمرون بها....وتسائلت مالذي يجري معه لقد كان سعيدا هذا الصباح....
وتنهدت قائلة "(ياالله)).......
ظل الشاب عدة أيام يقف تحت الشرفة لعدة ساعات ولكن لم تظهر محبوبته .....
أهمل عمله وحياته وأصابه الحزن الشديد لعدم رؤيتها ......
وفي أحد الأيام وبينما هو واقف تحت الشرفة كعادته خرجت ونظر بلهفة قبل أن
نظر بلهفة قبل أن تنتابه خيبة أمل كبيرة عندما وجد فتاة لا يعرفها تقف مكان حبيبته المعتاد وكان يغالب دمعة كادت أن تسقط لولا منعه اياها بشدة وهنا هم بالرحيل قبل أن يسمع الفتاة وهي تنادي عليه وتقول ((انتظر....))
هنا توقف مستغربا من أين تعرفه هذه الفتاة انه لم يرها من قبل أبدا
وماهي الا لحظات حتى كانت الفتاة واقفة على باب البناء الذي تسكن به محبوبته..
اقتربت منه قائلة ((هل أنت الشاب الذي يقف هنا كل يوم ))
رد بحذر((أجل ..))
فمدت يدها اليه بظرف وردي اللون وقالت((هذه الرسالة لك...))
نظر اليه بدهشة وهو يقول ((ممن؟؟))
ردت عليه ((من ياسمين الفتاة التي كانت تقف على الشرفة كل يوم تسقي الازهار انها أختي..))
انفرجت أساريره وارتسمت ابتسامة تفاؤل وفرح على شفتيه لدى سماعه هذه الكلمات قبل أن تستطرد الفتاة بحزن قائلة (( لقد توفيت الأسبوع الماضي وقد أمنتني قبل وفاتها أن أعطيك هذه الرسالة))
هنا لم يستطع الوقوف أكثر من ذلك وانهار على ركبتيه من هول الفاجعة وهو لايصدق مايسمع....
هنا اغرورقت عينا الفتاة بالدمع وجرت الى بيتها تاركة اياه وهو غير مصدق لما سمع مشدوها مفجوعا لا يكاد يشعر بشئ ....
لم يعلم كيف حملته قدماه الى البيت ودخل وأمه تطالع وجهه عسى أن تستشف شيئا ولكنه أكمل طريقه حتى وصل اى سريره ورمى كل ثقله وثقل حزنه على سريره الوحيد...
وأخذ ينظر الى الظرف الوردي ويشتم رائحة الياسمين محبوبته التي تركته وحيدا وبائسا..
وفتح الظرف الوردي وأخرج منها رسالة ذات ورقة واحدة وردية اللون برائحة الياسمين وبدأ بقرائتها
((حبيبي :
((أجل أقول حبيبي لأنني أحببتك منذ أول لحظة رأيتك فيها نظرتك الحنونة البريئة هي ما اخترق قلبي الضعيف
المثقل بالمرض وجعلته يسعى الى الحياة من جديد...
في ذلك اليوم عدت من عند الأطباء وقد أجمعوا جميعا أنني لن أعيش سوى أياما معدودات لأصابتي بمرض عضال
لم يستطع أحد منهم مواصلة الكذب بعد كل تلك السنوات ....
كنت حزينة يائسة مشرفة على الموت حين رأيتك فشعرت بالحياة من جديد ونسيت مرضي واعتقدت أنني مثل بقية الناس
كنت أنتظر على الشرفة كل يوم لأراك وكنت حين أراك من بعيد أختبأ ثم أعاود الظهور لرؤيتك
خشية أن ترى لهفتي الزائدة عليك
كنت سعيدة بانني عدت الى الحياة من جديد حتى طلبت رؤيتي هنا تذكرت مرضي
وتذكرت حياتي التي شارفت على الانتهاء فلم أستطع مجرد التخيل أنني قد أتسبب في مضايقتك ففضلت الاختباء
فازداد مرضي لعدم رؤيتك وأصبحت لا أستطيع النهوض من فراشي ولكني كنت سعيدة وأنا أتقبل هذه النهاية
لأنني عرفت أخيرا أنني عشت السعادة القصوى أن كل ما أردته من هذه الحياة قد تحقق
أريد أن أقول لك أنني أحبك وحتى ان مت فان حبي لك لن يموت أبدا.....
أحبك
ياسمين
هنا ابتسم وضم الرسالة الى صدره وقال ((وأنا أحبك))
وسكت قلبه الى الأبد ............
فتى الشٍــــــام
ـــــور