كان الشيخ عبد العزيز القديفي واحدا من أشهر باعة الكتب القديمة في سوق السراي، ومن أكثرهم ظرفا ومرحا وطيبة ودماثة. كان صاحب سبع صنايع وبخت ضايع، بامتياز. يُصلح أقلام الحبر (الخربانة)، ويبيع كتب المدارس المستعملة، ويتاجر بالممنوعات من كتب جنس وتراث وسياسة، ويقوم بتجليد الكراريس والكتب الصغيرة، ويبيع السداير العراقية والطرابيش، ويكتب أحيانا بعض القصائد، وله ديوان شعري طريف بعنوان (مأساة حزين).
وكان دكانه الذي لا يزيد على مترين ملتقى دائما لعدد كبير من أبرز أبناء جيلنا في الستينيات. أحمد فياض المفرجي، جليل العطية، عبد الرحمن مجيد الربيعي، حميد المطبعي، خضر الولي، رشدي العامل، باسم عبد الحميد حمودي، سامي مهدي، عبد اللطيف السعدون، موسى كريدي، موفق خضر، وغيرهم. كنا نتجمهر، وقوفا، أمام دكانه ونسد الطريق، في أحيان كثيرة، على جاره وعدوه اللدود حسين الفلفلي صاحب مكتبة الفلفلي الشهيرة الذي لا يكف عن شتمه وشتمنا، ولكن بصوت خفيض. كثيرون منا يقترضون منه، وقليلون يسددون ما اقترضوه. وهذا ما كان يُبكيه، باستمرار.
أما مهنته الأهم فقد كانت القراءة في الحسينيات الصغيرة الفقيرة التي لا تستطيع استقدام قاريء كبير. فهو يقبل بأي شيء مقابل القراءة الواحدة، ربع دينار، عباءة قديمة، عمامة، قميص، كيس تمر، وأحيانا كثيرة لا يُكافأ بشيء. كان عصريا في ملابسه. يرتدي البنطلون والقميص ولا يضع شيئا على رأسه. لكنه يُخفي عمامته وعباءته السوداء في كيس ورقي أسمر، في دكانه، ليكون جاهزا لأي طلب مفاجيء للقراءة. وكثيرا ما يصطحَبنا معه ليرينا قدرته السحرية الفائقة على إبكاء المؤمنين.
وذات ليلة، كنت وبعضَ الزملاء نتجول في شارع أبي نواس نبحث عن ملاذ، فسمعنا ضحكة تشبه ضحكة الشيخ القديفي آتية من بار صيفي صغير يقبع في ظلمة الشجر الكثيف. أصر بعضنا على التأكد من صاحب الضحكة، إذ لم يكن أحد منا يتوقع أن يمر الشيخ القديفي، ولو مرورا عابرا، بأمكنة من هذا النوع. ثم كانت المفاجأة. كان هو نفسَه، وفي يده كأس من العرق، مع سبق الإصرار والترصد. لم ينزعج من تطفلنا عليه، بل ضحك طويلا وقال بأريحته وظُرفه، (بابا آني هنا بس حتى أحصي المجتمع الفاسد، يا جماعة).
عبد العزيز القديفي هذا أتذكره دائما كلما رأيت السيد مقتدى الصدر أو استمعت إليه. فهما تقريبا بنفس الطول، وبنفس الملامح، وبنفس الصوت، وبنفس الهيئة، خصوصا عندما كان القديفي يضع العمامة والعباءة السوداء وهو يعتلي المنبر ليُبكي الناس في عاشوراء.
تذكرته اليوم، أكثر من أي وقت مضى، وأنا أقرأ ما قاله السيد مقتدى لأتباعه عن سبب تراجعه عن خصومته مع نوري المالكي، رغم كل ما فعله بأتباعه من تقتيل وتشريد وتعذيب.
فقد وجه عدد من الصدريين الى زعيمهم السؤال التالي: "يشاع بين أوساط اتباع التيار (الصدري) أن سماحة السيد القائد يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل الحكومة الإيرانية، حتى قام البعض بعدم الذهاب الى صلاة الجمعة، متبجحا بهذه الحجج الواهية. فماذا يقول سماحة السيد القائد (أعزه الله) لمثل هكذا عقول شوشتها الدنيا بمغرياتها العفنة؟".
فأجاب القائد " أشكوهم الى الله والى محمد الصدر، وأنا مستعد للوقوف ضدهم أمام رب العالمين الرحمن الرحيم. فكل ما يقولونه كذب. وأغلب الظن هو مني على الحكومة الإيرانية الموقرة".
كما وَجه إلى الزعيم عددٌ آخر من الصدريين هذا السؤال: "هل تتوقع التزام المالكي بما أبرمتموه معه من إطلاق السجناء ورفع الضيق والضيم عنهم؟ واذا لم يلتزم ماذا سيكون موقفنا في الشارع العراقي، مع العلم بأننا لم نـأخذ بنظر الاعتبار قول النبي محمد (ص) المؤمن لايلدغ من جحر مرتين. والأمر الآخر ما يجري للاخوة في الناصرية وسوق الشيوخ والديوانية وكربلاء من قتل وغصب للنساء، من قبل رائد علي المالكي (المجرم العميل) والبصرة (صولة الفرسان). وإننا لو أخذنا بنظر الإعتبار هذه الاحداث لامتنعنا عن ترشيحه، خاصة وأن المالكي هو مَن وَقع الاتفاقية الأمنية المشبوهة لبقاء قوات الاحتلال، فهذا يُعتبر معونة للظالم وأسياده. علما - وعذرا عن هذا القول - إنه ليس هناك أي مصلحة لترشيحه، لأننا لا ينقصنا أي شئ، لاسلطة ولا عدد ولا ظروف موضوعية، بل كلها متوفرة لدينا. وما يؤكد كلامنا أنه لايمكن ترشيح أي رئيس وزراء الا بموافقتنا، لأننا كتلة كبيرة. فماذا تقولون؟".
فرد القائد يقول "ما حدث من صدامات لابد من نسيانها، لأجل الدين والمذهب والعراق الحبيب، وكفانا إراقة الدم والانتقام والحقد والضغينة. وما حدث كان بتقصير من الجميع. وحفظ ُ العراق أمانة ٌ في أعناقنا، وخاصة أنتم يا مقلدي الصدر. نعم هو وَقــع الاتفاق، ومد يده ليُدافع عن ضرب بوش، (في أشارة الى حادثة رمي بوش بالحذاء في بغداد أواخر عام 2008)، لكن هذا لايعني أني أتبرأ منه، بل يجب أن أسعى لهدايته، فلنُعطه فرصة بأن يكون ناصرا للمظلومين ومُبعدا للمحتلين، وبعد ذلك سنكون قد حصلنا على حكومة مرضية من قبلنا، واذا سارت (هذه الحكومة) على هذا الطريق الصحيح فأنا على يقين بأن الجميع سيسير عليه".
إذن فالسيد هو الذي يضغط على إيران، وليست هي التي تضغط عليه، من أجل ترشيح المالكي. والسيد آمن أخيرا بحقن الدماء، واقتنع بالعفو عن المالكي ونسيان ما فعله بأتباعه ومريديه، وقرر أن يسامحه أيضا على توقيع الاتفاقية الأمنية مع المحتل، وعلى مد يده لحماية بوش من الحذاء، كل ذلك من أجل شيء واحد فقط هو العمل على هداية نوري المالكي إلى سواء السبيل. تماما مثلما كان الشيخ القديفي يُحصي المجتمع الفاسد، في أحد بارات شارع أبي نواس.
أليس من الحق ومن العقل ومن الواجب أن نبكي إذن على العراق وعلى أهله مـُـرَّ البكاء؟
ولمن لا يعرف من قرائنا العراقيين والعرب نقول إن الصدريين، باستثناء عدد قليل من قياداتهم وأتباعهم، جماعة من المتزمتين الجهلة والأميين، جاء بعضهم من بقايا فدائيي صدام ومخابراته وحرسه الجمهوري، وبعضُهم الآخر من عالم الجريمة، كالسرقة والاحتيال والاغتيال. وهم أكثر المليشيات الطائفية استخداما للجريمة وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية. يشهد لهم سجل عامر بجرائم القتل والسطو والاغتصاب. والمقاعد البرلمانية الأربعون التي وضعتهم في مقدمة صُناع القرار، حصلوا عليها بقلة الذوق وقوة السلاح، في مناطق معينة تقع تحت سطوتهم وجبروت عصاباتهم، بعد أن أرهبوا منافسيهم فيها.
ولأن المعادلة السياسية السخيفة الحالية التي فرضها الاحتلال حكمت بأن يكون رئيس الوزراء من الشيعة، ولأن الشيعة مُختطفون من قبل فئة قليلة منضوية تحت عباءة الائتلاف، بمباركة الولي الفقيه، فقد أصبح مصيرُ الوطن وأهله مربوطا بعمائم قادة الائتلاف، ولأن أتباع السيد مقتدى هم الأكثرُ مقاعدَ داخل هذا الائتلاف، فقد أصبحت عمائم قادة الائتلاف كلُها مربوطة بعمامة مقتدى، حتى وهو في مخبئه البعيد.
بعبارة أخرى، إن جهل الناخب العراقي أو جُبنَه أو تخلفه، وإرهابَ الصدريين وسطوتَهم سهل على التيار الصدري تركيع حلفائه في الائتلاف، والتحكم، تبـعا لذلك، بمسار العملية السياسية برمتها، وإجبار القادة الآخرين كلهم، شيعةً وسنةً، عربا وكردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين، على الرضوخ لهذه المسرحية المملة، رغم أنهم يمقتونها ويقرفون من سخفها وظلمها، ويؤمنون بأنها لم ولن تجلب للعراق والعراقيين سوى التخلف والضياع والخراب.
وليت المسألة تنتهي عند إعادة إجلاس المالكي على العرش. بل إنها سوف تجر معها مصائب أخرى عديدة.
منها أن المالكي مُلزم بأن يفي بوعوده لمقتدى، فيُطلق سراح المعتقلين من أتباعه، رغم أنهم محكومٌ عليهم قضائيا من محاكم مدنية يقال إنها مستقلة. وهذا يعني أن رئيس دولة القانون، سيقوم، مضطرا،ً بخرق القانون، وإلا انقلب عليه السيد مقتدى ومريدوه، وجعلوه عبرة لمن يعتبر.
ومنها أيضا أنهم سيتربعون على كراسي ُربع ِ وزارات حكومة المحاصصة القادمة، وسيديرونها ويتصرفون بها مثلما فعلوا بسابقاتها.
ومنها كذلك أن لهم، تحت قبة البرلمان، أربعين مهرجا لا ُيشق لهم غبار، وهم قوة قاهرة فاجرة قادرة على تعطيل مشاريع، وإجازة مشاريع، بقوة الضجيج وعنفوان الجهالة.
فأي وطن هذا الذي يُمسك بخناقه عبد العزيز القديفي الجديد، ولكن بدون ُظرفه وطيبه ونقاء نفسه وضميره؟؟. وهنيئا لعراقنا الديمقراطي الجديد
وكان دكانه الذي لا يزيد على مترين ملتقى دائما لعدد كبير من أبرز أبناء جيلنا في الستينيات. أحمد فياض المفرجي، جليل العطية، عبد الرحمن مجيد الربيعي، حميد المطبعي، خضر الولي، رشدي العامل، باسم عبد الحميد حمودي، سامي مهدي، عبد اللطيف السعدون، موسى كريدي، موفق خضر، وغيرهم. كنا نتجمهر، وقوفا، أمام دكانه ونسد الطريق، في أحيان كثيرة، على جاره وعدوه اللدود حسين الفلفلي صاحب مكتبة الفلفلي الشهيرة الذي لا يكف عن شتمه وشتمنا، ولكن بصوت خفيض. كثيرون منا يقترضون منه، وقليلون يسددون ما اقترضوه. وهذا ما كان يُبكيه، باستمرار.
أما مهنته الأهم فقد كانت القراءة في الحسينيات الصغيرة الفقيرة التي لا تستطيع استقدام قاريء كبير. فهو يقبل بأي شيء مقابل القراءة الواحدة، ربع دينار، عباءة قديمة، عمامة، قميص، كيس تمر، وأحيانا كثيرة لا يُكافأ بشيء. كان عصريا في ملابسه. يرتدي البنطلون والقميص ولا يضع شيئا على رأسه. لكنه يُخفي عمامته وعباءته السوداء في كيس ورقي أسمر، في دكانه، ليكون جاهزا لأي طلب مفاجيء للقراءة. وكثيرا ما يصطحَبنا معه ليرينا قدرته السحرية الفائقة على إبكاء المؤمنين.
وذات ليلة، كنت وبعضَ الزملاء نتجول في شارع أبي نواس نبحث عن ملاذ، فسمعنا ضحكة تشبه ضحكة الشيخ القديفي آتية من بار صيفي صغير يقبع في ظلمة الشجر الكثيف. أصر بعضنا على التأكد من صاحب الضحكة، إذ لم يكن أحد منا يتوقع أن يمر الشيخ القديفي، ولو مرورا عابرا، بأمكنة من هذا النوع. ثم كانت المفاجأة. كان هو نفسَه، وفي يده كأس من العرق، مع سبق الإصرار والترصد. لم ينزعج من تطفلنا عليه، بل ضحك طويلا وقال بأريحته وظُرفه، (بابا آني هنا بس حتى أحصي المجتمع الفاسد، يا جماعة).
عبد العزيز القديفي هذا أتذكره دائما كلما رأيت السيد مقتدى الصدر أو استمعت إليه. فهما تقريبا بنفس الطول، وبنفس الملامح، وبنفس الصوت، وبنفس الهيئة، خصوصا عندما كان القديفي يضع العمامة والعباءة السوداء وهو يعتلي المنبر ليُبكي الناس في عاشوراء.
تذكرته اليوم، أكثر من أي وقت مضى، وأنا أقرأ ما قاله السيد مقتدى لأتباعه عن سبب تراجعه عن خصومته مع نوري المالكي، رغم كل ما فعله بأتباعه من تقتيل وتشريد وتعذيب.
فقد وجه عدد من الصدريين الى زعيمهم السؤال التالي: "يشاع بين أوساط اتباع التيار (الصدري) أن سماحة السيد القائد يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل الحكومة الإيرانية، حتى قام البعض بعدم الذهاب الى صلاة الجمعة، متبجحا بهذه الحجج الواهية. فماذا يقول سماحة السيد القائد (أعزه الله) لمثل هكذا عقول شوشتها الدنيا بمغرياتها العفنة؟".
فأجاب القائد " أشكوهم الى الله والى محمد الصدر، وأنا مستعد للوقوف ضدهم أمام رب العالمين الرحمن الرحيم. فكل ما يقولونه كذب. وأغلب الظن هو مني على الحكومة الإيرانية الموقرة".
كما وَجه إلى الزعيم عددٌ آخر من الصدريين هذا السؤال: "هل تتوقع التزام المالكي بما أبرمتموه معه من إطلاق السجناء ورفع الضيق والضيم عنهم؟ واذا لم يلتزم ماذا سيكون موقفنا في الشارع العراقي، مع العلم بأننا لم نـأخذ بنظر الاعتبار قول النبي محمد (ص) المؤمن لايلدغ من جحر مرتين. والأمر الآخر ما يجري للاخوة في الناصرية وسوق الشيوخ والديوانية وكربلاء من قتل وغصب للنساء، من قبل رائد علي المالكي (المجرم العميل) والبصرة (صولة الفرسان). وإننا لو أخذنا بنظر الإعتبار هذه الاحداث لامتنعنا عن ترشيحه، خاصة وأن المالكي هو مَن وَقع الاتفاقية الأمنية المشبوهة لبقاء قوات الاحتلال، فهذا يُعتبر معونة للظالم وأسياده. علما - وعذرا عن هذا القول - إنه ليس هناك أي مصلحة لترشيحه، لأننا لا ينقصنا أي شئ، لاسلطة ولا عدد ولا ظروف موضوعية، بل كلها متوفرة لدينا. وما يؤكد كلامنا أنه لايمكن ترشيح أي رئيس وزراء الا بموافقتنا، لأننا كتلة كبيرة. فماذا تقولون؟".
فرد القائد يقول "ما حدث من صدامات لابد من نسيانها، لأجل الدين والمذهب والعراق الحبيب، وكفانا إراقة الدم والانتقام والحقد والضغينة. وما حدث كان بتقصير من الجميع. وحفظ ُ العراق أمانة ٌ في أعناقنا، وخاصة أنتم يا مقلدي الصدر. نعم هو وَقــع الاتفاق، ومد يده ليُدافع عن ضرب بوش، (في أشارة الى حادثة رمي بوش بالحذاء في بغداد أواخر عام 2008)، لكن هذا لايعني أني أتبرأ منه، بل يجب أن أسعى لهدايته، فلنُعطه فرصة بأن يكون ناصرا للمظلومين ومُبعدا للمحتلين، وبعد ذلك سنكون قد حصلنا على حكومة مرضية من قبلنا، واذا سارت (هذه الحكومة) على هذا الطريق الصحيح فأنا على يقين بأن الجميع سيسير عليه".
إذن فالسيد هو الذي يضغط على إيران، وليست هي التي تضغط عليه، من أجل ترشيح المالكي. والسيد آمن أخيرا بحقن الدماء، واقتنع بالعفو عن المالكي ونسيان ما فعله بأتباعه ومريديه، وقرر أن يسامحه أيضا على توقيع الاتفاقية الأمنية مع المحتل، وعلى مد يده لحماية بوش من الحذاء، كل ذلك من أجل شيء واحد فقط هو العمل على هداية نوري المالكي إلى سواء السبيل. تماما مثلما كان الشيخ القديفي يُحصي المجتمع الفاسد، في أحد بارات شارع أبي نواس.
أليس من الحق ومن العقل ومن الواجب أن نبكي إذن على العراق وعلى أهله مـُـرَّ البكاء؟
ولمن لا يعرف من قرائنا العراقيين والعرب نقول إن الصدريين، باستثناء عدد قليل من قياداتهم وأتباعهم، جماعة من المتزمتين الجهلة والأميين، جاء بعضهم من بقايا فدائيي صدام ومخابراته وحرسه الجمهوري، وبعضُهم الآخر من عالم الجريمة، كالسرقة والاحتيال والاغتيال. وهم أكثر المليشيات الطائفية استخداما للجريمة وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية. يشهد لهم سجل عامر بجرائم القتل والسطو والاغتصاب. والمقاعد البرلمانية الأربعون التي وضعتهم في مقدمة صُناع القرار، حصلوا عليها بقلة الذوق وقوة السلاح، في مناطق معينة تقع تحت سطوتهم وجبروت عصاباتهم، بعد أن أرهبوا منافسيهم فيها.
ولأن المعادلة السياسية السخيفة الحالية التي فرضها الاحتلال حكمت بأن يكون رئيس الوزراء من الشيعة، ولأن الشيعة مُختطفون من قبل فئة قليلة منضوية تحت عباءة الائتلاف، بمباركة الولي الفقيه، فقد أصبح مصيرُ الوطن وأهله مربوطا بعمائم قادة الائتلاف، ولأن أتباع السيد مقتدى هم الأكثرُ مقاعدَ داخل هذا الائتلاف، فقد أصبحت عمائم قادة الائتلاف كلُها مربوطة بعمامة مقتدى، حتى وهو في مخبئه البعيد.
بعبارة أخرى، إن جهل الناخب العراقي أو جُبنَه أو تخلفه، وإرهابَ الصدريين وسطوتَهم سهل على التيار الصدري تركيع حلفائه في الائتلاف، والتحكم، تبـعا لذلك، بمسار العملية السياسية برمتها، وإجبار القادة الآخرين كلهم، شيعةً وسنةً، عربا وكردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين، على الرضوخ لهذه المسرحية المملة، رغم أنهم يمقتونها ويقرفون من سخفها وظلمها، ويؤمنون بأنها لم ولن تجلب للعراق والعراقيين سوى التخلف والضياع والخراب.
وليت المسألة تنتهي عند إعادة إجلاس المالكي على العرش. بل إنها سوف تجر معها مصائب أخرى عديدة.
منها أن المالكي مُلزم بأن يفي بوعوده لمقتدى، فيُطلق سراح المعتقلين من أتباعه، رغم أنهم محكومٌ عليهم قضائيا من محاكم مدنية يقال إنها مستقلة. وهذا يعني أن رئيس دولة القانون، سيقوم، مضطرا،ً بخرق القانون، وإلا انقلب عليه السيد مقتدى ومريدوه، وجعلوه عبرة لمن يعتبر.
ومنها أيضا أنهم سيتربعون على كراسي ُربع ِ وزارات حكومة المحاصصة القادمة، وسيديرونها ويتصرفون بها مثلما فعلوا بسابقاتها.
ومنها كذلك أن لهم، تحت قبة البرلمان، أربعين مهرجا لا ُيشق لهم غبار، وهم قوة قاهرة فاجرة قادرة على تعطيل مشاريع، وإجازة مشاريع، بقوة الضجيج وعنفوان الجهالة.
فأي وطن هذا الذي يُمسك بخناقه عبد العزيز القديفي الجديد، ولكن بدون ُظرفه وطيبه ونقاء نفسه وضميره؟؟. وهنيئا لعراقنا الديمقراطي الجديد